للإنحراف عن المعايير أو الإرشادات التي يقدمها، سواء في الظرف المماثل للظرف المخبري أو في ظرف مغاير له. وعلى النقيض من ذلك فإن المشتغلين في الميدان من صناعيين ومخترعين ومصممين يريدون إجابات محددة للمشاكل القائمة ويجدون طريقة الطرح الكلاسيكي غير مقنعة.
بالإضافة إلى ذلك واجه المختصون في الأرغونوميا ولازالوا يواجهون ـ إلى حد ما ـ مصاعب تنظيمية عديدة. فطبيعة الطرح الأرغونومي المبني أساسا على تعددية التخصصات ليس من السهل تفهمه من قبل الآخرين، لأنه لايصنف المختص في الأرغونوميا ضمن إختصاص معين (طبقا للنظرة التقليدية للتخصصات)، وإنما يصنفه بإستمرار على الخط الحدودي الفاصل بين إختصاص وآخر، فلا هو مهندس كفاية إنتاجية ولا مهندس تصميم ولا سيكولوجي ولا فسيولوجي ولا رئيس لمصلحة التنظيم ولا مدير للعاملين ولا طبيب عمل، وإنما هو كل هذه الفئات. ولذلك وجد الأرغونومي نفسه ضمن إطار مبهم وغامض، وفي أحسن الأحوال يتلقى الدعوة لتسديد إرشادات حول متطلبات العوامل البشرية في آخر مرحلة من مراحل التصميم. فتأتي بذلك توجيهاته وإقتراحاته متأخرة، وبالتالي تتطلب تعديلات باهضة الثمن لايمكن للإدارة قبولها بسهولة، خاصة وأن تبريرات هذه التعديلات صعبة من ناحية الربح المباشر للمؤسسة. كما أن توجيهات الأرغونومي وإقتراحاته تلاقي معارضة مستمرة من طرف مهندس التصميم الذي بدوره يرى فيها إنتقادات مباشره لعمله. ومما ضخم ظاهرة التنافس وعدم الفهم بين الأرغونومي والمهندس حواجز الإتصال بينهما Communication barriers الناتجة عن الإختلاف في المفاهيم والطرق المستعملة من قبل كل منهما.
تعتبر القوى العاملة هي الأخرى مصدر إستياء من الأرغونومي، حيث أُتهم هذا الأخير ـ تاريخيا ـ من طرف الإتحادات العمالية بالقضاء على المهارات المهنية عن طريق تفتيت الأعمال إلى مكوناتها الأساسية وتبسيطها
، وكذا عن طريق إدخال الأتمتة Automation على الآلة. ويمكن تفهم هذا الإستياء إذا ما رجعنا إلى بداية تاريخ الأرغونوميا على أنها علم مُمـول ومُراقب من طرف الإدارة. وعلى النقيض من ذلك، فإن البحوث الـمُمولة من طرف الإتحادات العمالية لازالت قليلة، ولو أن البحث في ميدان الأمن الصناعي قد قطع شوطا لابأس به، سواء على يد النقابات العمالية أو أرباب العمل أو المنظمة العالمية للشغل التابعة للأمم المتحدة.
المرحلة الثانية: أرغونوميا الأنساق
ظهر هذا الإتجاه خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة من خمسينات هذا القرن كرد فعل على الإستياء من النظرة الكلاسيكية للأرغونوميا، وعُرف تحت إسم "أرغونوميا الأنساق Systems Ergonomics"، وهي النظرة التي مفادها أن الأفراد من جهة والآلات التي يسيرونها من جهة ثانية، يشكلان في حقيقة الأمر نسقا واحدا، لأن مكونات الآلات تؤثر على أداء الأفراد و العكس صحيح. وعليه توجب تطوير وتنمية قدرات وإمكانيات الطرفين معا وبالتوازي، على أنهما يعملان في النهاية من أجل تحقيق هدف واحد.
ومن هذا المنطلق فإن أرغونوميا الأنساق تهتم بالنسق إبتداء من المراحل الأولى للتصميم، مرورا بتحديد الأهداف والمهام التي بدورها تحقق المرامي النهائية لأي نسق. ثم توزيع مهام هذا النسق بين الأفراد من جهة (أي الجانب البشري للنسق) والآلات من جهة أخرى (أي الجانب الميكانيكي للنسق)، على أساس قدرة
وكفاءة كل منهما وثباته في تحقيق الأهداف. وطبقا لذلك فإن المختص في أرغونوميا الأنساق، بالإضافة إلى تصميمه للعلاقة الرابطة بين الإنسان والآلة ومكان العمل، فإنه يقوم بتطوير وتنمية الأنساق الجزئية التى يتكون منها النسق الكلي محل المعالجة، ويتحقق ذلك عن طريق الآتي:
- تحليل المهام Task analyses : أي تحليل المهام التي تحقق العملية النهائية للنسق.
- وصف العمل Job description: أي تعريف وتحديد الطريقة التي يؤدى بها العمل خلال جميع مراحله.
وما تحليل المهام و وصف العمل إلا تطويرا لتقنيات دراسة الزمن والحركة التي بدأت على يد فريدريك تايلور F.W. Taylor و الجلبرثيين The Gilberths. إن طريقة إستعمال النسق وتسييره والتعامل مع مختلف مكوناته وترتيب مراحل الإستعمال، إضافة إلى طرق وتقنيات الإنتقاء والتدريب، هي من المهام الرئيسية للمختص في أرغونوميا الأنساق. وهي مراحل أساسية لايمكن للنسق بدونها أن يؤدي وظيفته على أكمل وجه.
ومن مميزات النظرة النسقية مقارنة بالنظرة الكلاسيكية يمكن أن نذكر النقاط التالية:
1 ـ التعاون عن قرب بين المختص في الأرغونوميا من جهة والمهندس من جهة ثانية، إبتداء من المراحل الأولى لتطوير النسق، مما يقلل من تكرار بعض مراحل التطوير ـ ذات الكلفة العالية ـ لو قام كل طرف بعمله بمعزل عن الآخر.
2 ـ ومن أبرز ميزات التعاون الذي تنادي به النظرة النسقية، ميزة القضاء على أسباب الصراع بين التخصصات (المساهمة في عمليات تصميم وتطوير وتسيير النسق) الذي يسود النظرة الكلاسيكية للأرغونوميا بدل التكامل بينها.
3 ـ إن التطوير المتوازي للنسق الجزئي للوسائل و الآلات يؤدي إلى التقليص من المدة الزمنية لعملية التطوير، التي تُولى أهمية قصوى من الناحية الإقتصادية، خاصة في عالم تنافسي لايقبل هدر عامل الزمن.
4 ـ إن دمج عمليات مثل تصميم برامج التدريب والإنتقاء وكذا الطرق المساعدة على التعامل مع النسق في عملية واحدة تدعى النسق الجزئي للأفراد Personnel sub-system ، تسمح بإدخال جزئيات هامة في العملية النسقية ككل وليس كل جزئية على حدة، من هذه الجزئيات نذكر: دراسة العمل وقياس أبعاد الجسم وعلم النفس التوجيهي.
ومع ذلك، فإن الإتجاه النسقي للأرغونوميا لم يعمر طويلا، بل لم يبلغ الأهداف المرجوة منه نظرا لجملة من المصاعب منها:
ـ عدم وجود محكات دقيقة في توزيع المهام والعمليات بين الأفراد والآلات، حتى أن بعضهم Jordan (1963) يذهب إلى القول بأن علاقة الند للند بين الإنسان والآلة لايمكن تصورها.
ـ إضافة إلى أن تدخل أرغونومي الأنساق Systems Ergonomist في إعادة تنظيم وتنمية الأنساق الجزئية الموجودة سلفا، ينظر إليها رجال الميدان على أنها عملية تهدد مباشرة أنماط التسيير البشري وبالتالي تُقابل بكثير من المقاومة.
المرحلة الثالثة: أرغونوميا الخطأ
كنظرة بديلة لأرغونوميا الأنساق برزت إلى الوجود نظرة أخرى تتبنى دراسة وتفسير الخطأ البشري في نسق الإنسان والآلة. ويسود الإعتقاد لدى أنصار هذه النظرة، أن فشل النسق في أداء مهامه يرجع أساسا إلى الخطأ البشري، بغض النظر عن نوع النسق، حتى لو كان النسق مُمكننا (مُؤتمتا) كليا (الصناعات الكيماوية مثلا). وحسب هذا المنظور، فإن أسباب العطب يمكن تتبعها وإيجادها في إحدى مراحل تطوير النسق من طرف الإنسان. فقد تكمن هذه الأسباب في مراحل التصميم أو في مراحل التركيب أو في مراحل الصيانة. وعلى هذا الأساس فإن أي خطإ هو في الأصل خطأ بشري لا غير، ولادخل للجانب الميكانيكي أو الآلي فيه، لأن هذا الأخير ماهو في واقع الأمر إلا صنعا بشريا.
هناك نظرتين متكاملتين لأرغونوميا الخطأ هذه Error Ergonomics:
1- تدعى الأولى بنظرة "إنعدام الخلل" Zero defects approach : حيث تفترض أن الخطأ البشري ينتج أساسا عن نقص في التحفيز، وبالتالي يكمن الحل فيما يسمى ببرامج "الخلل الصفري" التي تتمثل في حملات تحفيزية أو دعائية للأمن والوقاية، موجهة للعاملين قصد الرفع من مستويات الأداء.
2- وفي المقابل نجد النظرة الثانية التي يطلق عليها "بنك معطيات الخطإ" Error data store ، كتكملة لمتطلبات النظرة الأولي، حيث تفترض بأن الخطأ البشري لايمكن تلافيه. وبالتالي فإن حل المشاكل المترتبة عن هذا الخطإ البشري، يكمن في تحسين طرق وأشكال تصميم الأنساق إلى أقصى درجة ممكنة من الأمن والسلامة والفعالية. مما يقلل من وقوع الخلل أو الخطأ وكذا من آثاره إن حدث إلى أدنى درجة. ولذلك يكون من الضروري توقع حدوث الخطأ البشري وما يترتب عنه من آثار تحت أي ظرف من الظروف، إنطلاقا مما يسمى "بنوك معطيات الخطإ" الجاهزة سلفا، التي تضم جميع إحتمالات الخطإ (الخلل) لمختلف المهام، وتحت أي ظرف من الظروف. تنجز هذه البنوك على أسس إحصائية متينة إنطلاقا من البحوث العلمية المتخصصة. وفي النهاية يمكن جمع وضم كل أنواع الإحتمالات بالطرق الإحصائية المختلفة، للخروج بقيم شاملة عن الثبات البشري أمام أي نشاط بشري كان.
آفاق التطور:
من خلال ماسبق ذكره، نلاحظ أن هذا الفرع من فروع الإهتمام العلمي هو في الأصل ومن خلال جميع مراحل تطوره يتميز بخاصيتين أساسيتين:
الخاصية الأولى: أنه فرع من فروع العلوم الإنسانية تغلب عليه تعددية التخصصات. رغم أنه في بداية نشأته عرف (بتشديد الراء) تعريفا ضيقا، لكن مع كثرة ميادين البحث فيه خلال ثلاثة عقود من الزمن، ومع كثرة التخصصات التي ساهمت في هذه البحوث، إتسعت حدوده كموضوع علمي، وأعيد النظر في تعريفه عدة مرات.
الخاصية الثانية: أن مجالات إهتمام المختص في الهندسة البشرية سريعة التطور والتغير، لأن إهتمامه في الأصل هو "الإنسان وعلاقته بالتقنية"، ومادامت وتيرة التغير والتطور قد تسارعت في هذين المجالين، فمن الطبيعي أن يتطور معهما الإختصاص. ومع ذلك تبقى مواضيع إهتمام البحث في أي مرحلة من مراحل تاريخه، من صميم تراث هذا التخصص.
وعلى هذا الأساس، إندمج الأخصائي في علم النفس الإجتماعي -وبقوة- منذ الستينات ضمن فريق الهندسة البشرية، ولازالت تدمج تخصصات أخرى. حتى أن Porter (1977) في موضوعه "الهندسة البشرية: من الجزء إلى الكل" نادى بتوسيع إهتمامات الهندسة البشرية كي تكون ذات فعالية أكبر خدمة للمجتمع. بتغيير النظرة الجزئية التي طبعت بحوثها إلى نظرة كلية تتناول مجالات أوسع، وربما أكثر تعقيدا في دراسة السلوك البشري، كالإتصال والشخصية والعاطفة. أو جوانب أخرى كالعلاقات الإجتماعية والسلوك التنظيمي والإستراتيجيات السياسية والإقتصادية والعوامل الجغرافية، وحتى التركيب القيمي والمعتقدات الدينية.
ومادام محور موضوع الهندسة البشرية هو "دراسة عمل الإنسان وما يحيط به" ، فإن تطورها كعلم يكون تابعا لتطور واقع هذا الأخير. ولايمكن أن نتوقع أن سرعة التطور التي تتسم بها الهندسة البشرية سوف تجعلها تبتعد عن إهتمامها المحوري. وهو ما سنلمسه من خلال فصول هذا الكتاب التي تتناول مجموعة من مواضيع الإهتمام الكلاسيكي للهندسة البشرية.
يتبع إن شاء الله
مفهوم العمل البشري
و طبيعة عمل أنساق الإنسان والآلة
1- مفهوم العمل البشري
العمل كمفهوم يتشكل من عدة عناصر، أول هذه العناصر هو المجهود الفكري والعضلي الذي يبذله الفرد. و ثاني عنصر هو أثر هذا المجهود، الذي هو في واقع الأمر تلك العملية التغييرية التي يحدثها الفعل على مواد الطبيعة (كمواد محسوسة أو مجردة)، ويحولها إلى مواد صالحة للإستعمال أو الإستهلاك أو الإستخدام أو الإستنفاع من قبل كائنات أخرى. والعنصر الثالث هو أن العمل يتم في ظروف زمانية ومكانية يلتزم فيها العامل بمحظ إرادته.
فالعمل بهذه العناصر الثلاثة، يمكن أن نعرفه تعريفا جامعا، فنقول بأنه ذلك الجهد البشري الموجه نحو إنتاج أثر نافع، سواء كان هذا الأثر ماديا محسوسا أو معنويا مجردا.
ومع ذلك، فالمتتبع لأدبيات موضوع العمل، تصادفه تعاريف عديدة، تمس هذا الجانب أو ذاك من مجالات العلم التي لها علاقة بالعمل كموضوع للبحث والتحري، مثل علم الإقتصاد وعلم الإجتماع وعلم النفس والقانون والشريعة، وغيرها من العلوم الإنسانية، أو العلوم الهندسية بمختلف تفرعاتها، أو علوم الطبيعة والحياة من طب وفسيولوجيا وغيرها.
إن أبسط تعريف للعمل أنه وسيلة إنتاج السلع والخدمات التي يرغب فيها الأفراد. وهذا النوع من التعاريف يركز على الطبيعة المنفعية للعمل، التي يتبناها الطرح الإقتصادي.
وفي هذا السياق يمكن إدراج تعريف Neff (1968) " العمل هو ذلك النشاط المفيد الذي يؤديه البشر، بهدف الحفاظ على الحياة وإستمرارها، موضوعه ينصب على تغيير بعض خصائص المحيط".
ومن التعاريف الأكثر شمولية ما أورده O'Toole (1973) "العمل هو ذلك النشاط المنتج لأشياء ذات قيمة للآخرين".
غير أن العمل يقوم بوظائف عديدة للأفراد، كإسهامه في تحقيق الذات بطريقتين:
1- أولهما أنه من خلال العمل يمكن للفرد السيطرة على ذاته وعلى محيطه.
2- من خلال أنشطته الخلاقة للسلع والخدمات ذات القيمة لدى الآخرين، فإن الفرد يستطيع تقييم نفسه (مجهوداته، إبداعه،...)، مما يضفي قيمة ما على شخصيته وعلى ما يقوم به.
لذلك يذهب بعضهم، إلى القول بأنه ما دام الإنسان المعاصر هو بائع لمنتوج ما، وفي نفس الوقت هو سلعة تباع في سوق اليد العمل، فإن تحقيق الذات لديه self-esteem يتوقف على ظروف خارج إرادته. فإذا كان ناجحا فإنه ذا قيمة، وإن لم يكن ناجحا فلا قيمة له (Fromm, 1971).
ومع ذلك، لايمكن تعريف العمل من خلال وظيفته في المجتمع فحسب، لكن كذلك من خلال ما يعنيه للفرد العامل. وهنا بالذات فإن مفهوم العمل يختلف من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى، ومن زمان لآخر.
ففي الإسلام، نجد أن للعمل قيمة تعبدية بالدرجة الأولى، في كافة جوانبه، الروحية والنفسية والأخلاقية والإجتماعية والإقتصادية، حيث ذكر مصطلح (العمل) في 153 موقعا من القرآن الكريم. فلا فرق بين العمل والعبادة. قال تعالى {وَبَشّرِ الّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رّزْقاً قَالُواْ هَـَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَأَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 25)
وقال سبحانه وتعالى في سورة التوبة(الآية:105) {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
كما يعتبر العمل من أسباب خلق الإنسان في الأرض، حيث يقول سبحانه وتعالى في الآية 30 من سورة البقرة {وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
فالعمل بهذا المفهوم هو بذل للجهد بنية الإخلاص والصواب والإتقان. وإنتظار أجرين أولها آني في الحياة الدنيا، وثانيهما –وهو الأهم- في الآخرة. فالتحفيز -بمصطلح السيكولوجيين- في هذه الحالة جمع بين الجانبين المادي والمعنوي.
وهذا عكس الأفكار التي كانت مسيطرة في الأوساط المسيحية خلال القرون الوسطى، حيث إعتبرت العمل عقابا إلهيا للإنسان نتيجة عصيانه للرب. وهو ما كان سائدا لدى معتنقي الفكر الكنسي الأرثودوكسي أو مايسمى (بالإصحاح القديم)، حيث نجد آثار هذا الفكر حتى لدى بعض المسييرين وعلماء النفس الصناعي في بداية نشأته أي أوائل القرن العشرين (راجع: Brown, 1954 ص: 183) .
غير أن الأخلاقيات البروتستانتية كما يقول مصطفى عشوي (1992) "قد أعادت للعمل شرفه وركزت على أهمية الفرد معتبرة أن هذا الأخير يشكل مركز المجتمع (...) وقد مجدت هذه الفلسفة الحرية الشخصية والمبادرة الفردية والطموح والثقة بالنفس".
إن هذه الخلفية البروتستنتية، إضافة إلى نزعة الموجة الفلسفية البراجماتية، هي التي جعلت الإقتصاديين يركزون في تعاريفهم للعمل على معيار "القيمة" المادية. فآدم سميث يرى أن العمل هو القياس الأساسي للقيمة. وعند الإقتصاديين بصفة عامة فإن قيمة السلعة أوالخدمة تساوي مجموع ما بذل فيها من عمل.
ومادام العمل مقترن بالإقتصاد، فإن مفهومه مهما إبتعد عن الطرح الإقتصادي، لايمكنه أن يخلو منه تماما. إلا أن الحاجة الإقتصادية ليست هي الدافع الوحيد للقيام بالعمل، بل هناك دوافع أخرى ، ربما ترتيبها وتصنيفها قبل الحاجة الإقتصادية أحيانا. فالسيكولوجي قد يجعل الحاجة للتوازن النفسي وتحقيق الذات هي الأساس في مزاولة العمل. بينما يرى المختص في علم الإجتماع أن الدافع الأساسي للعمل هو المكانة الإجتماعية وضرورات العيش داخل جماعة بشرية معينة. وقد يرى الشخص الملتزم دينيا أن الثواب في الآخرة هو أسمى دافع للعمل. وهكذا يتغير ترتيب دوافع العمل بحسب التخصص والقناعة الفكرية للفرد، غير أن المتفق عليه بين جميع فروع العلم، هو أن دوافع العمل متعددة، تشمل الجوانب الإقتصادية و الإجتماعية والنفسية والروحية و غيرها. وبدون العمل لا يمكن للحياة أن تستمر.
غير أننا في هذا الكتاب سوف نتناول موضوع العمل حسب الطرح الأرغونومي الذي يركز على العلاقة التوافقية بين العامل ومحيط عمله من آلات وأدوات وأفراد. هذا المحيط الذي تنظر إليه الهندسة البشرية على أنه في مجموعه نسق واحد، بدون التآزر والتنسيق بين عناصره لايمكن للعمل أن يؤدى، ولايمكن للعملية الإنتاجية أن تتم في أحسن ظروفها. لذلك نلاحظ أن الطرح الكلاسيكي للهندسة البشرية لايتطرق للعمل دون المرور عبر مفهوم نسق الإنسان والآلة.
يتبع إن شاء الله
2- طبيعة العمل البشري
لفهم العلاقة بين الإنسان وعمله، يجدر بنا -تسهيلا لعملية الفهم- تناول كل من الطرفين على حدى، ثم تناول وفهم علاقة كل منهما بالآخر، وفي سياق عملية الفهم هذه، لايجب أن تغيب عنا صيرورة الأخذ والعطاء والتداخل المستمر بين الإنسان والعمل (أو الإنسان والآلة)، في إطار النسق الشامل للإنسان والعمل ومحيط العمل بشقيه الفيزيقي والبشري.
تعتبر طريقة إتصال الإنسان مع الآلة بكل أهدافها العملية، مظهرا من مظاهر النشاط العضلي، إضافة -بطبيعة الحال- إلى النشاط الفكري. ومهما كانت وسيلة وأداة التواصل بينهما، حتى وإن كانت الأداة المستعملة تتمثل في مفتاح صوتي فإن العضلات تحتاج دائما لعمل الحنجرة.
إهتم النفسانيون بدراسة جوانب عديدة من علاقة الإنسان بالآلة، حيث إنصبت أعمالهم في مجملها على أدوات التحكم والمراقبة ووسائل العرض. ومن أمثلة أدوات المراقبة التي كانت موضوع أبحاث نفسية يمكننا أن نذكر: أدوات التدوير الصغيرة والكبيرة الحجم، والمقود، والقفل، والروافع المستديرة والعمودية، والقضيبات، والمداوس (ج: مدوس)، وأزرار اللمس، وأزرار الإشعال.
أما علماء التشريح والفسيولوجيا فقد درسوا جوانب تتعلق بالوضعية الفيزيائية التي تخلق علاقة بين أدوات التحكم والجسم، كعزم اللي (التدوير) والعزم الكلي أثناء التعامل مع أدوات التحكم. وما دام أي نشاط عضلي يخضع للتحكم العصبي، فإن التآزر العصبي العضلي شكل محور الإهتمام من خلال أبرز مظاهره المعروفة "بمبدأ التغذية الراجعة" أو التغذية الحس-حركية.
في هذا الإطار أثبتت الدراسات العلمية أنه للقيام بأي حركة مهما كانت بسيطة، فإن الإنسان يتحول إلى آلة إستقبال وتصفية للمعلومات الخارجية، ونتيجة هذه التصفية ينشد الإنسان السلوك المطلوب أو يقوم بالعمل (Murrell , 1965) .
إن عملية الإستقبال هذه تكون عن طريق الحواس من بصر وسمع وشم ولمس وإحساس بالبرودة والحرارة. تنتقل هذه المعلومات من خلال الجهاز العصبي إلى المراكز العليا للدماغ و النخاع الشوكي، حيث تحلل لإعطاء الأوامر أو إتخاذ القرارات.
وعملية التحليل في المراكز العليا للدماغ قد تتطلب تدخل وضم بعض المعلومات المخزنة في الذاكرة مع ما أستقبل من معلومات. وتكون نتيجة ذلك، قرارا يتدرج تعقيدا من مجرد رد الفعل البسيط، إلى القرارات التي تستخدم درجة كبيرة من التحليل والمنطق. وبعد إتخاذ القرار يتحول الفرد إلى القيام بالفعل (أو تطبيق القرار) من خلال ميكانيزمات التأثير Effector mechanisms ، التي تتمثل عادة في العضلات.
ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، حيث تتدخل عوامل عديدة منها الفيزيائية والفسيولوجية والنفسية. فإضافة إلى مبدإ التغذية الراجعة الذي سبق ذكره هناك على سبيل المثال لا الحصر، مبدأ عصب-فسيولوجي Neurophysiological وهو مبدأ التضاد antagonism principle الذي يلعب دورا مهما في التعامل مع أدوات التحكم، ومفاده أنه حينما يتحرك طرف (الذراع مثلا) فإن مجموعة عضلات تتقلص في حين (تعاكسها) وتتمدد مجموعة أخرى لتقنين الحركة عن طريق مقاومة كل مجموعة من العضلات للمجموعة الأخرى.
إن هذه المبادئ وغيرها، سواء كانت مبادئ تشريحية بحتة أو عصب-فسيولوجية أو نفسية أو فيزيائية أو غيرها، فإنها تدور حول إختيار أداة التحكم المناسبة للمهمة الملائمة لها. هذا الإختيار الذي يتوقف على مطلبين أساسيين لأي تصميم هما:الدقةPrecision والقوة Force أو الإثنين معا. فعلى سبيل المثال حينما تكون القوة هي المطلب الأساسي لإنجاز المهمة فإن عضلات الساق هي الأنسب لتحريك أداة التحكم، أما عضلات أصابع اليد فهي الأنسب لمزاولة مهام الدقة والإحكام، وهكذا يمكن القياس على هذا المثال في تصميم أدوات التحكم الأخرى.
يتبع إن شاء الله
3 - طبيعة عمل الآلة
لكي يقوم الإنسان بمراقبة آلة ما، فمن البديهي أن يعرف مهمتها وكيفية عملها حتى يتمكن من التواصل معها عن طريق "وسيلة العرض" Display . ووسيلة العرض هي تلك القطعة أو ذلك الجزء من الآلة الذي من خلاله تعطي الآلة معلومات للعامل. فوسيلة العرض قد تكون أي جزء أو جهاز يعطي معلومات عن حالة حدثت أو هي بصدد الحدوث، كصيرورة عملية الإنتاج أو الأداء على الجهاز أو الآلة مثلا.
ووسائل العرض الأكثر إنتشارا نوعان: سمعية وبصرية، غير أن النوع البصري هو الأكثر شيوعا، وصور معلوماته قد تكون عن طريق سهم مؤشر Index أو (مزولة أو دوالة أو قرص Dial) أو في شكل حروف وأرقام. وكيفما كان نوع أو شكل وسيلة العرض، فإن وظيفتها الأساسية تتمثل في تزويد العامل (أو المستعمل) بالمعلومات التي يحتاجها أو يمكنه إستعمالها بالقدر المطلوب وليس أكثر مما يحتاج كما يؤكد "تشابانيز" Chapanis et al. (1949).
إن وسيلة العرض الأكثر شيوعا وإهتماما من قبل الباحثين، خاصة السيكولوجيون منهم، هو ذلك النوع الذي يعطي المعلومات عن طريق السهم المؤشر والأرقام أو السلاليم التدرجية والمعروف بالمصطلح الأنجليزي Dial أو الفرنسي Cadran .
يورد "مورال" Murrell (1976) في هذا الشأن، أمثلة عن هذا النوع من وسائل العرض وعن الدراسات التي أجريت عليها من قبل علماء النفس في جوانب عديدة من تصميمها، كالشكل والحجم وإدراك الأرقام ورتب السلم، والزمن المستغرق لإدراك المعلومة والإستجابة المناسبة، وعدد الأخطاء إضافة إلى الحوادث التي يسببها سوء تصميم وسيلة العرض (وما أكثرها). ويلاحظ "مورال" Murrell أن الدراسات الأمريكية أجريت في غالبها على الطائرات، بينما اجريت الدراسات البريطانية على البواخر الحربية والتجارية. (للتفاصيل أكثر حول هذه الدراسات وغيرها يمكن مراجعة "مورال" Murrell, 1976).
وقبل التطرق لنقطة أخرى، يجدر بنا أن نعطي فكرة وجيزة عن وسائل العرض السمعية التي تصادفنا هي الأخرى في كل مكان تقريبا. فمن منبه السيارة إلى جرس المنزل إلى رنة جرس الهاتف. فهذا الأخير على سبيل المثال تختلف رناته من بلد لآخر، وتختلف مقامات الصوت (الرنين) طبقا للمعلومة المراد تبليغها، مثل متى يمكن للسائل الشروع في تدوير الأرقام أو الضغط على الأزرار، وهل الخط فارغ أم مشغول وغيرها من المعلومات التي تختلف في عدد النبضات ونوعها والفاصل الزمني بين كل نبضة (نبرة) وأخرى. ورغم أهمية هذا النوع من المعلومات فإننا لانعلم (نتيجة عدم نشر الدراسات إن وجدت) أن طرق العرض الصوتية الخاصة بالهاتف كانت نتيجة دراسات أم جاءت بطرق إرتجالية.
ولإبراز أهمية وسيلة العرض السمعية، ركزت العديد من الدراسات على المراقبة الجوية للطائرات. لأن الإتصال بين الطائرة وبرج المراقبة في معظمه يكون سمعيا، رغم ما يمد الرادار من معلومات فإن الإتصال الصوتي لاغنى عنه. إضافة إلى أن المراقب في غالب الأحيان يستعمل معلومات الرادار كمعلومات إضافية وليس أساسية، سواء بالنسبة للطائرات أو البواخر حسب الدراسات التي يوردها Murrell (1976). وفي هذا الصدد يجب أن نشير إلى أن أغلب الدراسات التي مست الأداء أمام جهاز الرادار كوسيلة عرض، كانت دراسات نفسية بالدرجة الأولى.
ونتيجة العدد الهائل من وسائل العرض، وإختلاف أشكالها وأحجامها وأغراض إستعمالها، عمت شبه فوضى على مستوى التصميم، مما جعل أغلب الباحثين ورجال الصناعة ينادون بتقنين هذه الجوانب، وتصنيفها طبقا لمتطلبات المهام التي يزاولها الإنسان أمام الآلة. فبرز مفهوم التقنيين أو التعيير Standardisation على الساحة الصناعية بجدية منذ الخمسينات من هذا القرن، حيث أصبحت أغلب الصناعات تلتزم معايير معينة طبقا لقوانين البلد التي تحكم هذا الجانب أو ذاك من الصناعات، كالمعيار الألماني ISO أو المعيار البريطاني BSI أو الأوروبي وغيرها. وفيما بعد ظهرت مؤسسات التعيير في أغلب دول العالم ومن ضمنها الدول العربية. والملاحظ في هذا الشأن أن موجة التعيير ذاهبة إلى التوحيد عالميا في العديد من جوانب التقنية وليس بالنسبة لوسائل العرض فقط، وذلك نتيجة عولمة التقنية وعولمة التجارة.
أشكال:
Index
مزولة أو دوالة أو قرص Dial
يتبع إن شاء الله
العلاقة بين الإنسان والآلة
إن إستعمال مفهوم (نسق أو نظام الإنسان والآلة) في التصميم ضروري، كلما تدخل العنصر البشري في إستعمال الآلات والأدوات، لأن ذلك يتطلب النظر في إحتياجات الإنسان وخصائصه والموافقة ـ المواءمة ـ بينها وبين خصائص الآلة. وأول خطوة في تصميم نسق الإنسان والآلة هي معرفة المعلومات التي يحتاجها الإنسان لأداء مهمته. وتتمثل ثاني خطوة في جرد وإحصاء كل الطرق الممكنة لإيصال المعلومات، وإختيار الأفضل منها سواء كان ذلك عن طريق البصر أم السمع أم اللمس. وثالث خطوة هي الشروع في تصميم وسيلة (أو وسائل) العرض المناسبة لطريقة (أو طرق) تحصيل المعلومات.
وهنا يجب الإشارة إلى أن إختيار وسيلة عرض المعلومات يعتمد على خاصيتين أو محكين أساسيين، أولهما يتمثل في نقل المعلومة أو الإشارة بأسرع ما يمكن، وثانيهما هو أن هذه المعلومة يجب أن تنقل بأقل قدر من الغموض.
هناك طرق عديدة لإيصال المعلومات إلى الفرد، منها الطرق السمعية كالمشافهة بين عامل وعامل آخر، أو الأجهزة الصوتية المركبة في الآلات التي تنذر العامل بحدوث عارض ما، أو تعطيه معلومة ما. وكذلك الطرق البصرية كالإشارات بين الأفراد أو أجهزة العرض البصرية الموجودة في الكثير من الآلات، وغيرها من الطرق. غير أن طرق إيصال المعلومات هذه تتأثر بعوامل عديدة، منها العوامل الفيزيقية (كالإضاءة والضوضاء وغيرها) والعوامل الفسيولوجية (كسوء الرؤية والصمم وغيرها من الأمراض العضوية أو أنواع القصور الطبيعي في حواس الكائن البشري) والعوامل النفسية (كالإدراك والثقل الفكري والتحفيز والإتجاهات نحو المهام الموكلة للفرد إلخ...). وسنتطرق لكل نوع من هذه الأنواع في المحور المخصص له.
أما عند تصميم أدوات المراقبة والتحكم فيجب الأخذ بعين الإعتبار عوامل عديدة منها: مقدار السرعة والدقة الذي تتطلبه الآلة. كما يجدر بنا من ناحية أخرى فحص الثقل الفكري Mental load الذي تسببه هذه العمليات لدى الإنسان، وما إمكانية تقديم المساعدة من هذه الناحية للفرد، كتزويده بأدوات حفظ المعلومات أو الوسائل الإلكترونية الأخرى.
ومن الأهمية بمكان تركيب وسائل العرض وأدوات المراقبة ووضعها في أماكن تتلاءم ووضعية العمل. حيث يجب أن نعرف هل يقوم العامل بمهامه واقفا أم جالسا، وماهي الأطراف التي يستعملها في الغالب، هل يستعمل اليدين أم الرجلين أم الإثنين معا، وهل يقوم بالعملية رجال أم نساء، ومن أي الأجناس البشرية. وبطبيعة الحال يتدخل في هذه النقطة بالذات علم قياس أبعاد الجسم، وفائدته تكمن في توفير القياسات والأبعاد الضرورية بين أدوات المراقبة وبين مجمل أطراف جسم الإنسان من ناحية أخرى. فعلى سبيل المثال إذا ما أردنا تصميم كرسي للإستعمال العام لايمكننا بأية حال من الأحوال تلبية حاحات الأصناف المتطرفة من المجتمع كالأقزام والعمالقة، إلا أن الشئ الذي يمكننا عمله هو تلبية حاجات الأغلبية (95 % من المجتمع مثلا). وهنا يجب ملاحظة شئ هام وهو أن الإنسان المتوسط The average man لا وجود له في علم القياس البشري عامة في الأنثروبوميتري على وجه التحديد، فالمتوسط في قياس ما (القامة مثلا) قد يكون فوق أو تحت المتوسط في قياس الأطراف السفلى أو العليا أو الوزن إلخ...، أما في القدرات العقلية فالفرد المتوسط (إفتراضيا) في الذكاء، قد يكون فوق المتوسط في القدرات الحس-حركية وتحت المتوسط في نوع معين من أنواع التحصيل، وقس على ذلك.
العلاقة التوافقية والسلوك النمطي:
أثناء حركة أداة التحكم، فإن معظم الناس يمكنهم توقع أثر هذه الحركة على وسيلة المراقبة، لأن العلاقة التوافقية بين أداة التحكم ووسيلة المراقبة ليست علاقة فيزيائية فحسب، بل هي علاقة نفسية كذلك بما تضفيه عليها توقعات الأفراد. فمثلا، عندما نقود سيارة غيرنا (أو أي سيارة لم نتعود على قيادتها) فإننا لانحتاج أن يقال لنا يجب تدوير المقود بإتجاه عقارب الساعة لجعل السيارة تدور يمينا، أو أن يقال لنا عليكم بتدوير قفل المذياع بإتجاه عقارب الساعة لتشغيله، فهذه أشياء نعرفها (أي نتوقعها). ويطلق على هذه التوقعات التي يتفق معظم الناس حولها مصطلح "السلوك النمطي population stereotypes"، ونقول عن حركات أداة التحكم ووسيلة العرض التي تتطابق مع هذه الأنماط بأنها متوافقة.
لاقى موضوع السلوك النمطي إهتماما من قبل الباحثين (علماء النفس التجريبيى على وجه التحديد). وكان السؤال المبدئي الذي طرح، هو هل السلوك النمطي نوع من السلوك المكتسب أم أن بعض جوانبه وراثية؟ وبغض النظر عن الإجابة على هذا السؤال، فإن أشكال السلوك النمطي عديدة ويمكن مصادفتها حتى في أبسط الحركات التي يقوم بها الفرد، فعلى سبيل المثال، يكون إتجاه حركة قفل المصباح الضوئي في بريطانيا إلى الأسفل أثناء وضعية الإشعال، خلافا للولايات المتحدة التي تعتبر فيها هذه الوضعية وضعية إطفاء.
غير أن السلوك النمطي يتوقف أحيانا على العضو الذي يحرك أداة التحكم، فمثلا تفضل اليد اليمنى الإتجاه المماثل لعقارب الساعة على الإتجاه المعاكس. فعندما يريد شخص ما فتح باب مستعملا يده اليمنى فإنه يدير القفل بإتجاه عقارب الساعة، وهذا ليس إلا نتيجة التركيب الداخلي لمفصل اليد والذراع، ولانستطيع أحيانا إستيعاب أي حركة أخرى، فمثلا لا يستطيع أي شخص سواء كان بدائيا أم ناقص تجربة أن يتقبل فكرة دوران مقود السيارة بإتجاه معاكس لإتجاه عقارب الساعة بغية تدويرها يمينا.
إن مسألة إكتساب أو وراثة السلوك النمطي من المسائل التي لم يتم الفصل فيها، كون البحوث في هذا المجال إتجهت نحو إكتشاف مدى قوة أو ضعف هذا السلوك النمطي أو ذاك، كما يرى Murrell,1976 الذي يؤكد على مصدرين من مصادر الدراسة لإثبات هذه المسألة يتمثلان في كل من: (1) البحوث التجريبية (ويذكر كمثال "كوك و شيبارد " cook and Shephard ,1958 الذين قاما بإختبار السلوك النمطي لدى الأطفال حتى سن الخامسة). و(2) الحوادث كأحسن مصدر يمكن الإستنتاج منه، شريطة أن تنقل وقائعها بصدق
human-machine interface
يتبع إن شاء الله
5- تأثير المحيط على نسق الإنسان والآلة
Definition: The Human-Environment Interface represents the interaction of a human in the environment of a system. It is similar to a human-machine interface and is a necessary component when analyzing the entirety of a system for ergonomics, human factors and human-in-the-loop efficiencies.
Interaction include air temperature, ambient noise levels, lighting levels and shadows, odors and aromas, surrounding colors, traffic patterns, and layout elements of the work s
ينقسم محيط العمل تقليديا إلى محيط فيزيقى ومحيط غير فيزيقي. فالميط الفيزيقي يقصد به كل مايحيط بالعامل من أدوات وآلات ومواد أولية وظروف فيزيقية يؤدى تحتها العمل. هذه الأخيرة يتوجب تقييمها ووضع حدود لها حتى لاتؤثر سلبيا على العامل وبالتالي على العمل، حيث يجب وضع حد للحرارة المنبعثة من الآلات والضجيج الصادر عنها، ثم تدفئة وتهوية أماكن العمل حتى يتمكن العامل من أداء عمله في ظروف ملائمة. أما الإضاءة فيجب أن تكون مناسبة لطبيعة العمل أو المهمة، لأن كلا من ضعف الإضاءة وقوتها يؤثران على العين والأداء في آن واحد.
أما المحيط غير الفيزيقي، فيقصد به باقي العوامل المؤثرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الفرد، ومن أبرزها العوامل الإجتماعية والتنظيمية والإقتصادية التي تتدخل كعوامل مؤثرة على أداء نسق الإنسان والآلة، والتي قد يكون تأثيرها أعمق من تأثير بعض العوامل الفيزيقية.
ومادام نسق الإنسان والآلة يتأثر بعوامل خارج حدوده كنسق، فهو من هذه الناحية يعتبر نسقا مفتوحا على غيره من الأنساق. وأول من إتنبه لهذه النقطة ونشر موضوعا بعنوان "نظرية الأنساق المفتوحة" Theory of open systems "لودينغ فون بارتالانفي" سنة 1950 Luding Von BERTALANFFY . حيث يرى أن مفهوم النسق المفتوح يتضمن في طياته مفهوم محيطه، كونه نسق متحرك (ديناميكي)، تتجلى ديناميكيته في الأخذ والعطاء والتأثير والتأثر المتبادل بينه كنسق وبين محيطه الذي يتحرك ضمنه.
أدت فكرة الأخذ والعطاء بين النسق ومحيطه، خلال العقد السادس من القرن العشرين، إلى بروز إتجاه آخر كان له ولايزال صدى في دراسة التنظيمات هو "إتجاه الإنساق الإجتماعية-التقنية" Socio-Technical systems. الذي كان ثمرة العديد من الدراسات الإمبريقية (Trist et al.; 1963 - Miller; 1975) . وفحوى هذا الإتجاه أن العلاقات الإجتماعية داخل وخارج النسق التنظيمي (المؤسسة)، تؤثر تأثيرا واضحا على الأداء التقني للنسق. وبالتالي فإن أي إجراء أو تغيير تقني، لابد أن تصاحبه إجراءات إجتماعية وتنظيمية وإقتصادية إلخ.. تتلاءم والمحيط البشري الذي ينشط ضمنه النسق التقني.
إذا ما أمعنا النظر في عمل الفرد والآلة وعلاقتهما ببعضهما ضمن المحيط السوسيو-تقني، نجد أن الكل يشكل نسقا أو نظاما، يمكننا أن نطلق عليه نسق أو نظام الإنسان و الآلة ومحيط العمل. ونجد أن الإنسان يشكل أو يلعب في هذا النسق دور " متخذ القرارات The decision maker ". وللحصول على كفاية عالية يجدر بنا تصميم نسق متكامل من الإنسان والآلة والمحيط. هذا التكامل الذي بدونه لاتتحقق الكفاية، وربما يسبب ـ وهو الغالب ـ تضاربا وصداما في المهام، قد تكون نتيجته فشل النسق في أداء ما صمم له.
يتضح من الشكل (2) ثلاث مجموعات من العوامل المؤثرة على أداء نسق الإنسان والآلة. فالمجموعة الأولى من العوامل هي تلك الخاصة بالفرد (كالسن ومستوى التدريب ..إلخ). أما المجموعة الثانية (الظروف الفيزيقية) والثالثة ( وسائل العرض وأدوات التحكم ووضعية العمل المتبناة) فهي من العوامل التي تؤثر على كل من الإنسان والآلة. وكل عمليات التاثير والتأثر هذه تحدث ضمن نسق دائري مغلق، يتوقف عليها ناتج (Output) عمل هذا النسق. أما إذا كان النسق مفتوحا (وهو الغالب) فإن تأثير عوامل أخرى إجتماعية وتنظيمية وإقتصادية يجب إضافتها للشكل كي تكون الصورة شاملة. غير أن هذا النوع من العوامل يختلف من نسق لآخر، وبالنسبة لنفس النسق يختلف حسب الظرف الزماني والمكاني للنسق.
كل هذه العوامل يجب أخذها بعين الإعتبار أثناء تصميم أي عمل ذا علاقة بشرية. وللقيام بهذه المهمة على أحسن وجه، عادة ما يستعمل المصمم أو المشرف على تنظيم الأعمال تقنية "قوائم المراقبة" Check lists التي تساعده على تذكر كل النقاط التي تشكل عملية ما. فمثلا يجب معرفة الإجابة على التساؤلات التالية قبل أي تصميم:
ـ ما دور العامل في عملية الإنتاج ؟
ـ هل يمكن نقل بعض العمليات التي يقوم بها العامل إلى الآلة.
ـ ماهي الشريحة البشرية التي تستعمل الآلات والأدوات محل التصميم (رجال، نساء، أطفال، معوقون، إلخ...) ومن أي الأجناس البشرية ؟
ـ في أي منطقة من العالم ستُشغل الآلات محل التصميم ؟
ـ ماهي المعلومات الأساسية والضرورية التي يجب أن يعرفها العامل للتعامل مع الآلة؟
ـ ماهي المعلومات الدقيقة التي يجب أن يعرفها القائم على تركيب و/أو صيانة الآلة محل التصميم ؟
ـ إلى آ خر هذه القائمة من الأسئلة التي قد تطول أو تقصر حسب الأهداف المحددة للآلة أو النسق محل التصميم.
معلومات حول تأثير الضجيج على الإنسان
للمطالعة إليك الرابط
6- مجالات البحث الأرغونومي
لقد سيطرت الصبغة العسكرية على المجالات التقليدية للبحث الأرغونومي. غير أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية توسع مجال الإهتمام أكثر نحو الصناعات ذات الطابع المدني. ومهما كانت صبغة البحث (مدنية أم عسكرية) فإن الطابع الصناعي كان ولازال هو المسيطر على غالب البحوث الأرغونومية، لسبب رئيسي يتمثل في أن الجانب التمويلي هو الموجه لأي بحث. فالمؤسسات الغنية ذات القدرة التنافسية العالية تحوز على أغلب فرق البحث وأمهر الباحثين، وتوجه مواضيع البحث حسب إحتياجاتها الخاصة، وليس حسب الحاجة العلمية أو الفراغ الموجود في أي مجال من مجالات المعرفة كما يذهب"روزنر" Rosner (1982).
وفي مثل هذه الحالات تصبح الهندسة البشرية ـ كأي علم آخر ـ سلاحا للتنافس فيما بين الشركات العالمية الكبرى من أجل الحصول على منتوج جيد يفرض نفسه على الساحة العالمية، والأمثلة كثيرة في كافة مجالات التنافس الصناعى، كصناعة السيارات والطائرات والإعلام الآلي وغيرها. مما جعل البحوث الأرغونومية تخطو خطوات عملاقة في مثل هذه المجالات، على نقيض حالها في المجالات غير التنافسية، وهذا في الدول المتقدمة تكنولوجيا و الدول النامية على حد سواء.
وبإعتبار الهندسة البشرية علم عمل منصف ومفيد -كأي علم آخر- للكائن البشري عامة، فإن محكات إختيار مواضيع البحث يجب أن تأخذ في الحسبان أولويات موضوعية. على رأس قائمة الأولويات، الإسهام العلمي الطويل الأمد ذا الفائدة البشرية وليس الربح المادي العاجل فحسب. ومن هذا المنطلق يمكن تحديد بعض المحكات لإختيار مواضيع البحث في الهندسة البشرية كالآتي:
أ ـ نسبة السكان التي يشملها موضوع البحث: فتصميم القاعات أو المقاعد المدرسية موضوع يهم المجتمع الطلابي الذي يشكل نسبة كبيرة من المجتمع ككل، وكذا موضوع دراسة العمل المنزلي يمس نصف عدد السكان، ونفس الشئ يمكن أن يقال عن النشاط الفلاحي أو قطاع الخدمات وغيرها من المواضيع التي تمس نسبة عالية من السكان.
ب ـ الأخطار الصحية الناجمة عن سوء التصميم: كونها تسبب عاهات مزمنة أو حوادث خطيرة نتيجة إستعمال تلك الأدوات والآلات أو ذلك المحيط ذا التصميم السيئ.
ج ـ الفوائد الوطنية للبحث الأرغونومي: حيث أن فائدة البحث يجب أن تكون شاملة وواضحة حتى يتسنى للباحث الحصول على الدعم المادي والمعنوي.
إذن فالبحث في المجالات التي إسترعت إهتمام الأخصائيين في العالم المتطور تكنولوجيا، مثل تصميم حجرات (قمريات) الطائرات أو تبادل المعلومات بين الإنسان والحاسوب، تصبح قليلة الأهمية بالنسبة للإنسان في الدول التي هي في طريق النمو، حيث أن نسبة الطيارين جد قليلة وتكنولوجيا العقول الإلكترونية لازالت من الصناعات الكمالية ذات التطور السريع في البلاد التكنولوجية، إذا ما قورنت بالنشاطات اليومية للأفراد في البلاد المتخلفة تكنولوجيا.
ومن هذا المنطلق فالمحاور التي تتطلب إهتمام الباحثين في الدول النامية هي تلك المحاور التي تشمل واقع الحياة وتطورها في هذه المجتمعات. ومن ضمن تلك المحاور ما أشار إليه "شاهنواز" Shahnavaz (1983) مثل القيم الإنسانية ونوعية الحياة ورأس المال البشري وغيرها من المحاور التي تدور حول هذا المنوال، وأهمها الفهم الجيد وإعادة الإعتبار للفرد في الدول النامية حيث لا أهمية للإنسان.
أما "روتنفرانز" Rutenfranz (1985) فيذهب من ناحية التحديد إلى أبعد من ذلك قائلا:" من الأهمية بمكان لو قام زملاؤنا الباحثون من الدول النامية بدراسات ـ آنية ـ حول ظروف العمل، ومستويات صرف الطاقة الحرارية للجسم، وساعات العمل الطويلة، وإستعمال المواد السامة في العمل، والظروف الصحية السيئة في العمل، وسوء التغذية والسكن، وغيرها من العوامل، حيث أن مشاكل العمل المرهق في ظروف صحية سيئة وغير عادية هي من مميزات العمل في كثير من الدول النامية".
وهكذا يجب أن تكون أرغونوميا الدول النامية " متمركزة حول العامل من بدايتها آخذة في الحسبان قدراته وإمكانياته المحدودة وعلاقتها بمهام عمله ونموذج حياته" كما يرى "شاهنواز" Shahnavaz (1983) .
وفي هذا الصدد جاء في تقرير منظمة العمل الدولية Dy, (1979) حول [التكنولوجيا وتحسين ظروف العمل في آسيا] "بأن التكنولوجيا ونماذج التنظيم المستوردة قد صممت في ظروف تكنو-إجتماعية مختلفة وليست دائما مكيفة حسب المحيط الثقافي والإجتماعي الذي تطبق فيه".
وفي نفس السياق بالذات يقول "تومسون" Thompson (1972) "بأن تصنيع الدول النامية لايتوقف على إستيراد المصانع من التكنولوجيا الغربية وإجراء بعض التعديلات الطفيفة عليها، إنما يكمن في التصميم المبدئي وتطوير الآلات كي تتلاءم والمتطلبات المحلية لليد العاملة. وهنا يلعب المختص في الهندسة البشرية دورا هاما بمعارفه وخبراته ووعيه بالظروف المحلية، بحيث يستطيع معرفة مناطق الصعوبة في نسق الإنسان والآلة وتفاعل هذا النسق مع المحيط وما ينتج عن هذا التفاعل".
يتبع إن شاء الله
7- إتجاه البحث الأرغونومي في الدول النامية
من خلال تصفح البحوث والدراسات الأرغونومية في الدول النامية، منذ العقد السابع من القرن العشرين، يبرز إتجاهان رئيسيان: أحدهما يركز على التحويل التكنولوجي كما هو وزرعه في البلاد غير المتطورة تقنيا، ودفع الإنسان للتكيف مع التكنولوجيا الحديثة. وثانيهما يركز على التطوير العلمي للنشاطات التقليدية للسكان الأصليين كي تواكب التطور التكنولوجي في مراحل زمنية لاحقة، لأن التكنولوجيا حسب أنصار هذا الإتجاه لاتُستورد وإنما تنمو وتتطور محليا كأي نشاط بشري آخر.
وبغض النظر عن الفرق بين الإتجاهين، فإن كلاهما بحاجة إلى المعطيات الأرغونومية الأساسية، في ميادين القياس البشري، ودراسة عوامل المحيط والعمل، ومستويات صرف الطاقة الحرارية للجسم، وحالات سوء التغذية والنوم والقدرات المعرفية، كما يذهب "ويزنر" Wisner (1985) .
إن الدراسات الأرغونومية للحالات والمهام التقليدية قد تفاجئ الكثير من الأخصائيين في الدول الصناعية، غير أن "ويزنر" Wisner (1985) يبرز أهميتها بقوله:" يتراءى هذا النوع من الدراسات بسيطا، إلا أنه يتطلب قدرا كبيرا من المعرفة العلمية والمنهجية، وفي حقيقة الأمر فإن هذه الدراسات فعالة من الناحية الصحية وإنتاج العاملين في المجتمعات النامية".
أما إتجاه التحويل التكنولوجي الذي يتبناه بعض الباحثين في الهندسة البشرية، فينطلق أساسا من المثال الكلاسيكي للشركات المتعددة الجنسية (أو العبرقارية) التي يسميها "ويزنر" Wisner "الجزر الأنثروتقنية"، التي يكون لها نفس الإنتاج في كل من الدول النامية والدول الصناعية من النواحي التقنية والمالية والبشرية.
وحجة مؤيدي هذا الإتجاه، هي أن الشركات المتعددة الجنسية تُحول المنشآت التقنية والآليات إضافة إلى أنماط التنظيم وطرق التدريب، كما تقوم بإختيار العمال طبقا لمعايير دقيقة، وفي أغلب الأحيان تقوم بتوفير المسكن والمطعم والمواصلات والمدارس وحتى المستشفيات.
إلا أن الكثير من الأخصائيين في مجال الهندسة البشرية، ينتقدون إتجاه التحويل التكنولوجي من زوايا متعددة. فهذا "شاهنواز" Shahnavaz (1983) يستنتج من خلال دراسته للمؤشرات الأرغونومية والإجتماعية والإقتصادية في صناعة النسيج الإيرانية، بأن أخذ العوامل الأرغونومية في الإعتبار يؤدي مباشرة إلى تحسين معنوي في الإنتاجية. وأن إدخال نمط التصنيع الغربي دون التفكير وإعطاء الإعتبار للمتغيرات البشرية للمجتمع المحلي، يكون ذا أثر سلبي من الناحية الإجتماعية، وكذلك ذا خسارة عالية من الناحية الإقتصادية.
يمكن تلخيص الإنتقادات الموجهة للتحويل التكنولوجي كإتجاه منهجي في تناول البحوث الأرغونومية ضمن النقاط التالية:
1 ـ إن التحفيز التايلوري الكلاسيكي [العصا والجزر]، واضح كل الوضوح في حالة الشركات المتعددة الجنسية، فالعامل يجب أن ينتج كما أُمر أو ينضم إلى جيش البطالين من ذوي جنسيته.
2 ـ إن أهم مشاكل التخلف ـ التي تقف حجرعثرة أمام العامل ـ قد حُلت في إطار الشركة متعددة الجنسية، فالرواتب عالية مقارنة برواتب سوق اليد العاملة الوطنية، وقد وُفر السكن والمواصلات والمدارس والمستشفيات.
3 ـ إن اليد العاملة ذات تدريب عال ومن أحسن ما وُجد في الدولة النامية محل تدخل الشركة المتعددة الجنسية.
4 ـ إن مشاكل الصيانة ـ التي تعطل وتيرة الإنتاج ـ غير موجودة حيث أن الصيانة متوفرة داخل المصنع نفسه، وأن قطع غيار الآلات لاتسبب أي عائق كونها مضمونة من طرف الشركة الأم (كما ونوعا وسرعة في التغيير).
5 ـ إن القوة المالية لهذه الشركات العملاقة تتعدى القوة المالية لكثير من الدول النامية، ولهذا السبب بالذات فإن هذه الدول لاتستطيع توفير التسهيلات المالية والتقنية مثلما تفعل هذه الشركات.
6 ـ يمثل العمال في الشركات المتعددة الجنسية نسبة ضئيلة من مجمل اليد العاملة الوطنية. وتبقى ظاهرة البطالة قائمة كأحد أبرز مظاهر التخلف الذي يمس مباشرة نوعية الحياة ومستوى المعيشة في المجتمعات الفقيرة.
8- إستراتيجية التدخل الأرغونومي في الدول النامية
بالرغم من النقاش الأكاديمي حول إشكاليات الميدان الدائر بين أهل الإختصاص، فإنه يمكن للهندسة البشرية أن تتدخل كعلم ميداني لحل العديد من مشاكل البلاد النامية في المحاور التالية:
1 ـ تصميم الأنساق:
يتم تصميم أنساق الإنسان والآلة، من خلال ثلاث زوايا رئيسية هي:
أ ـ إعادة تصميم الأنساق و النشاطات التقليدية وإدخال المعارف والمعطيات العلمية على تصميمها، حتى يتسنى الإستغلال الأمثل لمردوديتها.
ب ـ إعادة تصميم الأنساق (الأنظمة) المستوردة مع الآلات في الصناعات ومختلف النشاطات الحياتية، وتكييف هذا التصميم مع المعطيات المحلية للإنسان ومحيط عمله. وهذه فكرة يدعو لها كل من أراد الحل الصحيح، فحتى الأخصائيون في الدول التكنولوجية ممن صمموا هذه الأنساق المستوردة يرون إعادة تصميمها وتكييفها حسب الظروف المحلية للإستعمال. وسبب عدم تصميمها حسب معطيات المجتمع المستعمل لها يرجع إلى أن:
1 ـ المعطيات الأساسية (نفسية، إجتماعية، ثقافية، فسيولوجية، إلخ...) للأفراد في المجتمع المستعمل غير متوفرة بصفة كافية .
2 ـ في حالة توفر بعض هذه المعطيات، يبقى التصميم ناقصا تشوبه بعض الأخطاء، كون العديد من المعطيات البشرية لايستطيع إدراكها إلا الأخصائي المحلى.
3 ـ إن المكلفين بإستيراد الأنساق والمعدات لايشترطون توفر خصائص معينة في البضاعة سواء كانت هذه البضاعة مصنعا أو آلة أو نسقا تنظيميا.
ج ـ تصميم أنساق وأنظمة جديدة حينما تفرض الحالات الظرفية ذلك. فبناء مصنع أو مخبر أو مسكن أو مكتب للعمل الإداري إلخ... يعتبر من المسائل التي يمكن للمختص التدخل في تصميمها منذ البداية، وتكييف هذا التصميم مع المعطيات المحلية والظرفية للمجتمع أو الشريحة من الأفراد التي نقصدها بالتصميم.
2 ـ تطوير مناهج البحث:
تطوير مناهج للبحث في كل العلوم الإجتماعية والإنسانية، ومنها الهندسة البشرية. ومن شروط هذه المناهج أن تكون مستقلة بذاتها، مختصة ببيئتها المحلية، كالبيئة العربية أو البيئة الجهوية كالبيئة الصحراوية أو البيئة الريفية أو البيئة الحديثة في المدن. هذه الأخيرة التي تتراءى وكأنها مختلفة عن البيئة الريفية، إلا أن المعطيات والمنطلقات الأساسية التي تحكمها لازالت في الأصل ريفية مثل العادات والتقاليد، حجم الأسرة، إلخ...
وتجربة هذا النوع من مناهج البحث الأرغونومي يمكن ملاحظة أمثلتها المبسطة من خلال بحوث الأرغونوميين الأسيويين. ومعنى ذلك أننا بمجرد أن نتطرق إلى موضوع الأرغونوميا في العالم الثالث، تتبادر إلى الذهن منهجية العمل التي تتبناها أسماء مثل:"سان" Sen ، "ناج" Nag، "بينارجي" Benarjee ، "مانوابا" Manuaba ، "ساحا" Saha ، وغيرهم. وهي منهجية عمل جد متطورة ومُحكمة، وفي نفس الوقت نابعة من الظروف المحلية. وفي بعض الأحيان، نابعة حتى من الظروف المحلية لمقاطعة من مقاطعات الهند أو أندنوسيا مثلا، كما هو الحال في بحث Manuaba "تصميم المساكن في مقاطعة بالي بأندنوسيا". لأن هذه المقاطعة لها خصوصياتها ومتناقضاتها المحلية الخاصة بها، والتي لاتشترك فيها مع غيرها من المقاطعات. ومن هنا تبرز الأهمية العلمية لمثل هذه البحوث، لأن عنصر الخصوصية هذا هو الذي يضفي المصداقية العلمية على البحث في العلوم الأنسانية بصفة عامة.
وحتى نستطيع تصميم الأنساق (1) وتطوير المناهج (2) يجدر بنا توفير بعض الشروط الأساسية كخطوة أولى منها:
1 ـ الإطلاع على أحدث ما توصلت إليه البحوث الأرغونومية في البلاد المتطورة تكنولوجيا لمواكبة التطور العلمي الحديث ، والإستفادة من طرق العمل والمناهج الحديثة. لأن المنهجية التي يتبعها الباحث في العالم الثالث تعتبر من أصعب المناهج، نظرا لتداخل العديد من المعطيات ولأنه يريد أخذ كل من القديم والحديث بعين الإعتبار، كون المجتمع المحلي وهو في صورته التقليدية يصبو إلى التطور ويحاول أن يقطع أشواطه بأسرع ما يمكن. فدور المختص في الهندسة البشرية هو مراقبة وتوجيه هذا التطور حتى لايخطئ في الأولويات أو يظل الطريق، خاصة وأن الإمكانيات المتاحة محدودة وأن عامل الزمن ذا التسارع الرهيب لايسمح بأدنى خطإ.
2 ـ الإطلاع على البحوث المحلية الخاصة بمجتمعات العالم الثالث أو العالم السائر في طريق النمو ـ كما يفضل البعض تسميته ـ لأن العامل المشترك بين هذه المجتمعات يتمثل في التخلف التكنولوجي (رغم التفاوت في درجاته). فالتجارب التي نستخلصها من هذه البحوث لاتحتاج إلى تطوير جديد، وإنما يمكننا تناولها جاهزة في أغلب الأحيان مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليها في أحيان أخرى، كي تأخذ الصبغة المحلية.
3 ـ إقتناء بعض الأدوات والأجهزة الخاصة بالبحث العلمي وتسخيرها بعقلانية لخدمة البحث في إطار تنظيمي شامل، مرتكز أساسا على سياسة وطنية واضحة لدور وأهداف البحث العلمي.
4 ـ إن الإطلاع على تجارب الغير وإقتناء الأدوات التقنية للبحث ليس بالأمر البعيد المنال. بل هو عمل يجب أن يكون منظما وممنهجا، بعيدا عن كل ظرفية أو تخمين أو فوضى، آخذا في الحسبان بعض الشروط القاعدية التي تدخل في إطار سياسة شاملة للبحث العلمي مثل:
أ ـ الإشتراك الدائم والمنظم في الدوريات العلمية وبنوك المعطيات وتموين المكتبات الجامعية ومراكز البحث بأمهات الكتب وأحدث الطبعات والنشرات في مجال الكتاب والمطبوعة.
ب ـ تأثيث المخابر الجامعية بأحدث التجهيزات العلمية الضرورية للقيام بأي بحث.
ج ـ إرسال البعثات لقضاء دورات تدريبية، محددة العدد والمدة ومضبوطة المهمة والبرنامج لإقتناء معارف ومعلومات حديثة في مجالات معينة (شريطة أن تخضع هذه العملية لتقييم دوري صارم).
د ـ الإستفادة من الخبرات المحلية المتواجدة في مراكز البحث العلمي والجامعات وأماكن عملها ونشاطها في مجالات التربية والصناعة والفلاحة وغيرها ، وإعطائها فرصة المبادرة والعمل وتشجيعها ماديا ومعنويا.
يتبع إن شاء الله
What is Cognitive Ergonomics?
Editor’s Note: This is a revised version of Cognitive Ergonomics and Engineering Psychologywhich appeared in Ergonomics Today(TM)on June 11, 2001.
Ergonomics is sometimes described as “fitting the system to the human,” meaning that through informed decisions; equipment, tools, environments and tasks can be selected and designed to fit unique human abilities and limitations. Typical examples in the “physical ergonomics” arena include designing a lifting job to occur at or near waist height, selecting a tool shape that reduces awkward postures, and reducing unnecessary tasks and movements to increase production or reduce errors and waste. “Cognitive ergonomics,” on the other hand, focuses on the fit between human cognitive abilities and limitations and the machine, task, environment, etc. Example cognitive ergonomics applications include designing a software interface to be “easy to use,” designing a sign so that the majority of people will understand and act in the intended manner, designing an airplane cockpit or nuclear power plant control system so that the operators will not make catastrophic errors.
Cognitive ergonomics is especially important in the design of complex, high-tech, or automated systems. A poorly designed cellular phone user-interface may not cause an accident, but it may well cause great frustration on the part of the consumer and result in a marketplace driven business failure. A poor interface design on industrial automated equipment, though, may result in decreased production and quality, or even a life threatening accident.
Complex automated systems create interesting design challenges, and research and post accident analysis indicate that the human role in automated systems must be closely considered. Automation can result in increased operator monitoring and vigilance requirements, complex decision-making requirements, and other issues that can increase the likelihood of errors and accidents.
Another interesting effect in automation is that humans will sometimes over-trust or mistrust an automated system.
The Three Mile Island nuclear power plant accident is in part an example of the effect of people over-trusting a system. During that event, the control panel indicated that an important valve had operated as instructed, and the control room operators trusted the system was reporting accurately. Actually, the valve had not operated as instructed, and it became a key point in the failure that resulted in a serious mishap. (Interestingly, some will blame the operators, when in fact, under the mental load created by the evolving accident, they performed as an ergonomist would expect. The actual cause of the accident is a control system design error that provided incorrect information to the operators).
An example of mistrusting a system occurred at a medium security women’s prison in Oregon, USA, when a new surveillance system was installed. The alarm was triggered whenever it sensed motion in particular areas of the facility. During the first few weeks, the alarm was repeatedly triggered by everything from birds to leaves blowing in the wind. The guards became conditioned to the fact that it often triggered in error, and began to ignore it. Using this to her advantage, a prisoner climbed over the fences knowing that the alarm would go off, but that the guards would most likely ignore it long enough for her to escape. It worked. When this same mistrust effect occurs with something as important as a fire alarm, the results can be deadly.
Physical ergonomics issues, primarily in the workplace, dominate the public view and understanding of ergonomics. Fortunately, ergonomists are busy behind the scenes working to improve all human-machine interfaces, including the cognitive aspects. Unfortunately, many companies, engineers, regulators, and other decision makers fail to recognize the human factor in design, and many unnecessary errors, accidents, product failures and other business costs are the predictable result.
Ergonomie cognitive
L'ergonomie cognitive est l'un des domaines de l'ergonomie. Elle se différencie de l'ergonomie physique qui traite l'ensemble des facteurs physiologiques humains (postures, activité, accessibilité, etc.).
- Ergonomie : adaptation d'un produit ou d'une situation de travail à un utilisateur.
- Cognitif : relatif aux grandes fonctions de l'esprit (perception, langage, mémoire, raisonnement, décision, mouvement...).
L'ergonomie cognitive est donc l'étude des interactions avec un dispositif ou un produit (essentiellement informationnel) qui nécessite l'utilisation des grandes fonctions mentales de l'homme (perception, mémoire, traitement). Elle étudie également les problèmes éventuels de charge mentale qui résultent de cette interaction.
Histoire
L'ergonomie existe depuis 1949 (le terme est créé à cette date en Grande-Bretagne). En France, sous son approche cognitive, on peut dire qu'elle s'est systématisée à partir des années 60 dès que les situations en relation avec l'information se sont généralisées. En particulier, l'analyse du travail du contrôleur aérien, qui est toujours en cours, contribua largement à cette approche. Les travaux de Sperandio peuvent être signalés à cet égard.
En parallèle, avec l'utilisation de plus en plus généralisée des ordinateurs, une ouverture nouvelle voit le jour. En 1982, la première Conférence Européenne en Ergonomie Cognitive se déroule à Amsterdam sous l'impulsion de Thomas Green et Gerrit Van Der Veer, entre autres.
Cette nouvelle discipline va connaître un accroissement proportionnel à la hausse de l'utilisation des ordinateurs et des interfaces informatisées. Petit à petit, au fur et à mesure que l'électronique ou l'informatique s'immiscent dans les produits, l'ergonomie cognitive prend sa place.
Aujourd'hui, l'enjeu est de taille. En effet, un produit (électroménager, automobile, site internet...) qui ne satisferait pas le client en termes de facilité d'utilisation ou de compréhension, risquerait fortement de ne pas se vendre et même de générer une baisse de popularité de la marque.
Comprendre l'Homme
Pour arriver à comprendre comment fonctionne l'ergonomie cognitive, il faut connaitre l'Homme. Il faut savoir que le cerveau de l'homme peut aller à une vitesse de calcul de 0,001 s, alors qu'un processeur d'ordinateur peut aller jusqu'à 0,000000001 s pour un même calcul.
Mais l'avantage de l'Homme est qu'il est capable de travailler en parallèle là où l'ordinateur travaille en séquentiel.Il peut jouer sur sa sensibilité lorsque l'ordinateur gère la surveillance. L'homme a des capacités de perception et de prise de décision alors que l'ordinateur ne peut traiter que la routine et les protocoles.
La question de l'automatisation de système fait donc entrer en jeu cette ergonomie cognitive. Outre les facilités d'utilisation physiologiques d'un produit, il est important que l'utilisateur ou l'opérateur ne soit pas en surcharge (ou en sous-charge) de travail.
En effet, un poste de travail sur lequel apparaissent routine ou inutilité peut s'avérer dangereux pour l'opérateur (surveillance oucontrôle qualité par exemple). Il est bon de noter d'ailleurs que la routine est souvent la première cause des erreurs humaines.
Le paradigme cognitif peut expliquer le principe suivant :
En effet, le cerveau est constitué de trois sous-systèmes de traitement de l'information :
- le sous-système perceptif,
- le sous-système cognitif,
- le sous-système moteur.
L'erreur est humaine et doit être prise en compte lors de la conception de produit quel qu'il soit.
Applications de l'ergonomie cognitive
Globalement, toutes les situations de la vie quotidienne (dont le travail) dans lesquelles un utilisateur ou un opérateur doit interagir avec un système. Pour agir, il est nécessaire que l'utilisateur ait une bonne compréhension de ce qu'attend ou va faire le dispositif. L'interface Homme/Machine du système doit être pensée en conséquence en termes de présentation de l'information et des interactions. Cette problématique se retrouve dans tout ce qui est synoptiques et écrans, interfaces d'ordinateurs, téléphonie mobile, documentation électronique, dispositifs multimedia, sites web, etc…
Sources
- L'ergonomie du travail mental, Jean-Claude Sperandio, Paris, Masson (1984).
- L'ergonomie cognitive, un compromis nécessaire entre des approches centrées sur la machine et des approches centrées sur l'homme, Jean-Michel Hoc, CNRS, UVHC, LAMIH, PERCOTEC.
- Ergonomie Cognitive et Design Industriel, Florence Bazzaro, UTBM, ERCOS.